وِردُ العِشاء أى وِردُ التَّمجيد :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«سُبْحَانَ اللهِ» تَسبيحاً يَليقُ بِجَلالِهِ يَا مَنْ لَهُ السُّبُحات، «وَالْحَمْدُ للهِ» حَمداً كَثيراً يُوَافي نِعَمَه، ويُدافِعُ نِقَمَه، ويُكافِئُ مَزيدهُ على جَميعِ الحالات، «وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» تَوحيدَ مُحَقِّقٍ مُخلِصٍ قَلبُهُ بِحَقِّ اليَقينِ عَنِ الشُّكوكِ وَالظُنونِ وَالأَوهامِ وَالشُّبُهات، «وَاللَّهُ أَكْبَرُ» مِنْ أَنْ يُحَاطَ ويُدْرَكَ، بَلْ هُوَ مُدرِكٌ مُحيطٌ بِكُلِّ الجِّهات، رَفيعُ الدَّرَجات، «وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلَّابِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ».
إلَهَنا تَعاظَمْتَ على الكُبَراءِ وَالعُظماءِ فَأنتَ العَظيمُ الكَبير، وتَكَرَّمتَ على الفُقراءِ وَالأَغنِياءِ فَأنتَ الغَنِيُّ الكَريم، ومَنَنْتَ على العُصاةِ وَالطّائِعينَ لِسِعَةِ رَحمَتِكَ فَأَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْمُ، تَعْلَمُ سِرَّنَا وَجَهْرَنَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِنَا مِنَّا فَأَنْتَ العَلِيمُ، لا تَدْبِيرَ لِلَعَبْدِ مَعَ تَدْبيرِك، وَلاَ إرادَةَ لَهُ مَعَ مَشيئَتِكَ وتَقديرِك، لَوْلاَ وُجُودُكَ لَمَا كانَتِ الْمَخْلُوقَات، وَلَوْلاَ حِكمةُ صُنعِكَ لَمَا عُرِفَتِ الْمَصْنُوعَات، خَلَقتَ الآدَمِيَّ وَبَلَوْتَهَ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَبْرَزتَهُ في هَذِهِ الدَّارِ لِمَعْرِفَتِك، وَحَجَبْتَهُ عَنْ باطِنِ الأَمْرِ بِظاهِرِ الْمَرئِيَّاتِ، وَكَشَفْتَ لِمَن شِئْتَ عَنْ سِرِّ سِرِّ التَّوْحِيد، فَبِهَذا شَهِدَ الكَونُ وَالتَّكْوينُ وَالكَائِنَاتُ، وَأَشْهَدْتَهُ بِهِ حَضَرَاتِ قُدْسِكَ بِلَطَائِفِ مَعَاني سِرِّكَ البَاطِنِ في مَظَاهِرِ الْمَظَاهِرِ بِأَنوَاعِ التَجَلِّيَات؛ إِلَهَنا : أَيُّ كَيدٍ لِلشَّيطانِ فَهُوَ ضَعيفٌ مَعَ قُوَّتِكَ وَاقتِدارِكَ، وَأَيُّ رانٍ على القُلُوبِ مَعَ ظُهُورِ أَنْوَارِك؛ إِلَهَنا: إِذا عَمَّرْتَ قَلْبَاً اضْمَحَلَّ عَنهُ كُلُّ شَيْطَان، وَإِذا عَنِيْتَ بِعَبدٍ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سُلْطانٌ، اِتَّصَفْتَ بِالأَحَدِيَّةِ فَأَنْتَ الْمَوجود، ورَفَعْتَ نَفْسَكَ بِجَلالِ الرُّبوبِيَّةِ فَأَنْتَ الْمَعْبُودُ، وَخَلَّصْتَ ضِيقَ أَرْوَاحِ مَنِ اخْتَصَصْتَ مِنَ رَبَقِ الأَشْبَاحِ إِلَى قَضَاءِ الشُّهُود، أَنْتَ الأوَّلُ قَبلَ كُلّ شَيْءٍ، وَالآخِرُ بَعدَ كُلّ شَيْءٍ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ حَادِثٌ مَفْقُودٌ، لا مَوجُودَ إلَّا بِوُجُودِك، لا حَياةَ لِلأَروَاحِ إلَّا بِشُهُوْدِك، أَشَرْتَ إِلَى الأَروَاحِ فأَجَابَت، وكَشَفتَ عَنِ القُلُوبِ فَطابَتْ، فَهَنِيئاً لِهَيَاكِلَ أروَاحُها لَكَ مُجيبَةٌ، ولِقَوَالبَ قُلوبُها فاهِمَةٌ عَنكَ مُنيبَة إِلَيْكَ.
إلَهَنا فَطَهِّر قُلوبَنا مِن الدَّنَسِ لِنَكونَ مَحَلّاً لِمُنازَلاتِ وُجودِك، وخَلِّصنا مِن لَوثِ الأَغيارِ لخالِصِ تَوحيدِك، حَتَّى لا نَشهَدَ لِغَيْرِ أفعالِكَ وصِفاتِكَ وتَجَلِّي عَظيمِ ذاتِك، فأنتَ الوَهَّابُ المانِحُ الهادي القادِرُ الْفَاتِح؛ إلَهَنا إِنَّ : الْخَيرَ كُلَّهُ بِيَدَيكَ وَأَنْتَ مُوهِبُهُ ومُعطيه، وعِلمُهُ مُغَيَّبٌ عَنِ العَبدِ لا يَدري مِن أَينَ يأتيه، وطَريقَهُ عَلَيْهِ مُبهَمٌ مَجهُولٌ لَوَلا أنَّكَ أنتَ دَليلُهُ وقائِدُهُ ومُهديه؛ إلَهَنا فَخُذ بِنوَاصينا إِلَى ما هُوَ أَحسَنُهُ وَأتَمُّه، وخُصَّنا مِنكَ بِما هُوَ أوسَعُهُ وَأخصُّه وَأتمُّه وَأعَمُّه، فإنَّ الأَكُفَّ لا تُبسَط إلّا للغَنِيِّ الكَريم، وَلاَ تُطلَب الرَّحْمَةُ إلّا مِنَ الغَفورِ الرَّحيم، وَأَنْتَ المقصِدُ الّذي لا يَتَعَدّاهُ مُراد، وَالكَنْزُ الّذي لا حَدَّ لَهُ وَلاَ نَفَادَ؛ إلَهَنا فأَعطِنا فَوقَ ما نُؤمِّلُ وَمَا لا يَخطُرُ بِبَالٍ، يَا مَنْ هُوَ وَاهِبٌ كَريمٌ مُجيبُ السُّؤال، فَإِنَّهُ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ، وَلاَ مُعطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ رادَّ لِمَا قَضَيتَ، وَلاَ مُبَدِّلَ لِمَا حَكَمْتَ، وَلاَ هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقضَى عَلَيْكَ، وَلاَ يَنفَعُ ذا الْجَدِّ مِنكَ الْجَدُّ، وَلاَ مُقعِدَ لِمَنْ أَقَمْتَ، وَلاَ مُعَذَّبَ لِمَنْ رَحِمْتَ، وَلاَ حِجَابَ لِمَنْ عَنهُ كَشَفْتَ، وَلاَ كُرُوبَ ذَنبٍ لِمَنْ بِهِ عَنَيْتَ وَعَصمْتَ، وَقَدْ أَمَرْتَ وَنَهَيْتَ، وَلاَ قُوَّةَ لَنَا على الطّاعَة، وَلاَ حَولَ لَنَا عَنِ الْمَعصِيَةِ إلَّا بِكَ، فَبِقُوَّتِكَ على الطّاعَةِ قَوِّنا، وَبِحَولِكَ وَقُدرَتِكَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ جَنِّبْنَا، حَتَّى نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِطاعَتِك، وَنَبْعُدَ عَنْ مَعْصِيَتِك، وَنَدْخُلَ في وَصْفِ هِدايَةِ مَحَبَّتِك، وَنَكُونَ بِآدَابِ عُبُودِيَّتِكَ قَائِمِين، وَبِجَلالِ رُبُوبِيَّتِكَ طَائِعِين، وَاجْعَلْ أَلسِنَتَنا لاهِيَةً بِذِكْرِك، وَجَوَارِحَنا قائِمَةً بِشُكرِك، ونُفُوسَنا سَامِعَةً مُطِيعَةً لأَمرِك، وَأَجِرْنَا مِنْ مَكْرِكَ، وَلاَ تُؤَمِّنّا مِنهُ حَتَّى لا نَبرَحَ لِعَظيمِ عِزَّتِكَ مُذْعِنِين، وَمِنْ سَطْوَةِ هَيبَتِكَ خَائِفِين ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾،
وَأَجِرْنَا اللَّهُمَّ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ورُؤيَةِ أعمالِنا، وَمِنْ شَرِّ كَيدِ الشَّيطان، وَاجعَلنا مِن خَوَاصِّ أحبابِكَ الّذينَ لَيسَ عَلَيْهِم سُلطان، فإنَّهُ لا قُوَّةَ لَهُ إلّا من سَلَبتَ عَنهُ نورَ التَّوفيقِ وخَذَلتَه، وَلاَ يَقرُب إلّا مِن قَلبٍ حَجَبتَهُ عَنكَ بالغَفلَةِ وَأهَنْتَهُ وَأمَتَّه؛ إلَهَنا فَما حيلةُ العبدِ وَأَنْتَ تُقعِدُه، وَمَا وُصولُهُ وَأَنْتَ تُبعِدُه، هَلِ الْحَرَكاتُ وَالسَّكَناتُ إلّا بإذنِك، ومُنقَلَبُ العَبدِ ومَثوَاهُ إلّا بِعِلمِك؛ إلَهَنا فاجعَل حَرَكاتِنا وسُكونَنا إِلَيْكَ، وشُكرَنا لَك، وَاقطَع جَميعَ جِهاتِنا بالتَّوَجُّهِ إِلَيْكَ، وَاجعَل اعتِمادَنا في كُلَّ الأُمورِ عَلَيك، فمَبدَأُ الأَمرِ مِنكَ راجِعٌ إِلَيْكَ.
إلَهَنا إنَّ الطَّاعَةَ وَالمعصِيَةَ سَفينَتانِ سائِرَتانِ بالعَبد، فالعَبدُ في بِحرِ المشيئَةِ إِلَى ساحِلِ السَّلامةِ وَالهلاك، فالوَاصِلُ على ساحِلِ السَّلامةِ هُوَ السَّعيدُ الْمُقَرَّب، وذو الهلاكِ هُوَ الشَّقِيُّ المبعَدُ وَالمعذَّب؛ إلَهَنا أمرتَ بالطَّاعَةِ ونَهَيتَ عَنِ المعصِيَةِ وقَد سَبَقَ تَقديرُهُما، وَالعّبدُ في قَبضَةِ تَصَرُّفِك، زِمامُهُ في يَدِكَ تَقودُهُ إِلَى أَيِّهِما شِئت، وقَلبُهُ بَيْنَ أُصبُعَينِ مِن أَصابِعِكَ تُقَلِّبُهُ كَيفَ شِئت؛ إلَهَنا فَثَبِّت قُلوبَنا على ما أَمَرْتَنا، وجَنِّبنا عَمَّا عَنهُ نَهَيْتَنا، فإنَّهُ لا حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إلّا بِك، سُبحانَكَ لا إِلَهَ إلّا أَنت، خَلَقتَ الْخَلقَ قِسمَين، وفَرَّقتَهُمُ فَريقَين، فَريقٌ في الْجَنَّةِ وفَريقُ في السَّعير، هَذا حُكمُكَ عَدل، وتقديرُكَ حَقّ، وسِرُّكَ غامِضٌ في هذا الْخَلق، وَمَا نَدري ما يُفعَل بِنا، فافعَل بِنا ما أَنْتَ أَهلُهُ وَلاَ تَفعَل بِنا ما نَحنَ أَهلُه، فإنَّكَ أَهلُ التَّقوى وأهلُ المغفِرَة؛ إلَهَنا فاجعَلنا مِن خَيرِ فَريق، ومِمَّن سَلَكَ الأَيمَنَ في الطّريقِ مِنَ الآخِرة، وَارحَمنا بِرَحمَتِك، وَاعصِمنا بِعِصمَتِكَ لِنَكونَ مِنَ الْفَائِزين، ودُلَّنا عَلَيكَ لِنَكونَ مِنَ الوَاصِلين الْمَوْصُولِين ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ * ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظَاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾،
وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ السّابِق لِلخَلْقِ نُورُهُ، وَالرَّحْمَةِ لِلْعَالَمِينَ ظُهُورُه، عَدَدَ مَنْ مَضَى مِنْ خَلْقِكَ وَمِنْ بَقيَ، وَمِنْ سَعِدَ مِنهُم وَمِنْ شَقي، صَلاةً تَستَغرِقُ العَدَّ وتُحيطُ بالْحَدِّ، صَلاةً لا غايَةَ لَها وَلاَ أَمَدْ، وَلاَ انْتِهاءَ وَلاَ انْقِضَاءَ، صَلوَاتِكَ الّتي صَلَّيتَ عَلَيْهِ، صَلاةً دائِمَةً بِدَوَامِكَ، باقِيَةً بِبَقائِك، لا مُنتَهَى لَها دُونَ عِلْمِك، وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وعِترَتِهِ وسَلِّم،﴿وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. ، آمينَ يَا مُعِينُ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«سُبْحَانَ اللهِ» تَسبيحاً يَليقُ بِجَلالِهِ يَا مَنْ لَهُ السُّبُحات، «وَالْحَمْدُ للهِ» حَمداً كَثيراً يُوَافي نِعَمَه، ويُدافِعُ نِقَمَه، ويُكافِئُ مَزيدهُ على جَميعِ الحالات، «وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» تَوحيدَ مُحَقِّقٍ مُخلِصٍ قَلبُهُ بِحَقِّ اليَقينِ عَنِ الشُّكوكِ وَالظُنونِ وَالأَوهامِ وَالشُّبُهات، «وَاللَّهُ أَكْبَرُ» مِنْ أَنْ يُحَاطَ ويُدْرَكَ، بَلْ هُوَ مُدرِكٌ مُحيطٌ بِكُلِّ الجِّهات، رَفيعُ الدَّرَجات، «وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلَّابِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ».
إلَهَنا تَعاظَمْتَ على الكُبَراءِ وَالعُظماءِ فَأنتَ العَظيمُ الكَبير، وتَكَرَّمتَ على الفُقراءِ وَالأَغنِياءِ فَأنتَ الغَنِيُّ الكَريم، ومَنَنْتَ على العُصاةِ وَالطّائِعينَ لِسِعَةِ رَحمَتِكَ فَأَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْمُ، تَعْلَمُ سِرَّنَا وَجَهْرَنَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِنَا مِنَّا فَأَنْتَ العَلِيمُ، لا تَدْبِيرَ لِلَعَبْدِ مَعَ تَدْبيرِك، وَلاَ إرادَةَ لَهُ مَعَ مَشيئَتِكَ وتَقديرِك، لَوْلاَ وُجُودُكَ لَمَا كانَتِ الْمَخْلُوقَات، وَلَوْلاَ حِكمةُ صُنعِكَ لَمَا عُرِفَتِ الْمَصْنُوعَات، خَلَقتَ الآدَمِيَّ وَبَلَوْتَهَ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَأَبْرَزتَهُ في هَذِهِ الدَّارِ لِمَعْرِفَتِك، وَحَجَبْتَهُ عَنْ باطِنِ الأَمْرِ بِظاهِرِ الْمَرئِيَّاتِ، وَكَشَفْتَ لِمَن شِئْتَ عَنْ سِرِّ سِرِّ التَّوْحِيد، فَبِهَذا شَهِدَ الكَونُ وَالتَّكْوينُ وَالكَائِنَاتُ، وَأَشْهَدْتَهُ بِهِ حَضَرَاتِ قُدْسِكَ بِلَطَائِفِ مَعَاني سِرِّكَ البَاطِنِ في مَظَاهِرِ الْمَظَاهِرِ بِأَنوَاعِ التَجَلِّيَات؛ إِلَهَنا : أَيُّ كَيدٍ لِلشَّيطانِ فَهُوَ ضَعيفٌ مَعَ قُوَّتِكَ وَاقتِدارِكَ، وَأَيُّ رانٍ على القُلُوبِ مَعَ ظُهُورِ أَنْوَارِك؛ إِلَهَنا: إِذا عَمَّرْتَ قَلْبَاً اضْمَحَلَّ عَنهُ كُلُّ شَيْطَان، وَإِذا عَنِيْتَ بِعَبدٍ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سُلْطانٌ، اِتَّصَفْتَ بِالأَحَدِيَّةِ فَأَنْتَ الْمَوجود، ورَفَعْتَ نَفْسَكَ بِجَلالِ الرُّبوبِيَّةِ فَأَنْتَ الْمَعْبُودُ، وَخَلَّصْتَ ضِيقَ أَرْوَاحِ مَنِ اخْتَصَصْتَ مِنَ رَبَقِ الأَشْبَاحِ إِلَى قَضَاءِ الشُّهُود، أَنْتَ الأوَّلُ قَبلَ كُلّ شَيْءٍ، وَالآخِرُ بَعدَ كُلّ شَيْءٍ، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ حَادِثٌ مَفْقُودٌ، لا مَوجُودَ إلَّا بِوُجُودِك، لا حَياةَ لِلأَروَاحِ إلَّا بِشُهُوْدِك، أَشَرْتَ إِلَى الأَروَاحِ فأَجَابَت، وكَشَفتَ عَنِ القُلُوبِ فَطابَتْ، فَهَنِيئاً لِهَيَاكِلَ أروَاحُها لَكَ مُجيبَةٌ، ولِقَوَالبَ قُلوبُها فاهِمَةٌ عَنكَ مُنيبَة إِلَيْكَ.
إلَهَنا فَطَهِّر قُلوبَنا مِن الدَّنَسِ لِنَكونَ مَحَلّاً لِمُنازَلاتِ وُجودِك، وخَلِّصنا مِن لَوثِ الأَغيارِ لخالِصِ تَوحيدِك، حَتَّى لا نَشهَدَ لِغَيْرِ أفعالِكَ وصِفاتِكَ وتَجَلِّي عَظيمِ ذاتِك، فأنتَ الوَهَّابُ المانِحُ الهادي القادِرُ الْفَاتِح؛ إلَهَنا إِنَّ : الْخَيرَ كُلَّهُ بِيَدَيكَ وَأَنْتَ مُوهِبُهُ ومُعطيه، وعِلمُهُ مُغَيَّبٌ عَنِ العَبدِ لا يَدري مِن أَينَ يأتيه، وطَريقَهُ عَلَيْهِ مُبهَمٌ مَجهُولٌ لَوَلا أنَّكَ أنتَ دَليلُهُ وقائِدُهُ ومُهديه؛ إلَهَنا فَخُذ بِنوَاصينا إِلَى ما هُوَ أَحسَنُهُ وَأتَمُّه، وخُصَّنا مِنكَ بِما هُوَ أوسَعُهُ وَأخصُّه وَأتمُّه وَأعَمُّه، فإنَّ الأَكُفَّ لا تُبسَط إلّا للغَنِيِّ الكَريم، وَلاَ تُطلَب الرَّحْمَةُ إلّا مِنَ الغَفورِ الرَّحيم، وَأَنْتَ المقصِدُ الّذي لا يَتَعَدّاهُ مُراد، وَالكَنْزُ الّذي لا حَدَّ لَهُ وَلاَ نَفَادَ؛ إلَهَنا فأَعطِنا فَوقَ ما نُؤمِّلُ وَمَا لا يَخطُرُ بِبَالٍ، يَا مَنْ هُوَ وَاهِبٌ كَريمٌ مُجيبُ السُّؤال، فَإِنَّهُ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيتَ، وَلاَ مُعطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ رادَّ لِمَا قَضَيتَ، وَلاَ مُبَدِّلَ لِمَا حَكَمْتَ، وَلاَ هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقضَى عَلَيْكَ، وَلاَ يَنفَعُ ذا الْجَدِّ مِنكَ الْجَدُّ، وَلاَ مُقعِدَ لِمَنْ أَقَمْتَ، وَلاَ مُعَذَّبَ لِمَنْ رَحِمْتَ، وَلاَ حِجَابَ لِمَنْ عَنهُ كَشَفْتَ، وَلاَ كُرُوبَ ذَنبٍ لِمَنْ بِهِ عَنَيْتَ وَعَصمْتَ، وَقَدْ أَمَرْتَ وَنَهَيْتَ، وَلاَ قُوَّةَ لَنَا على الطّاعَة، وَلاَ حَولَ لَنَا عَنِ الْمَعصِيَةِ إلَّا بِكَ، فَبِقُوَّتِكَ على الطّاعَةِ قَوِّنا، وَبِحَولِكَ وَقُدرَتِكَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ جَنِّبْنَا، حَتَّى نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِطاعَتِك، وَنَبْعُدَ عَنْ مَعْصِيَتِك، وَنَدْخُلَ في وَصْفِ هِدايَةِ مَحَبَّتِك، وَنَكُونَ بِآدَابِ عُبُودِيَّتِكَ قَائِمِين، وَبِجَلالِ رُبُوبِيَّتِكَ طَائِعِين، وَاجْعَلْ أَلسِنَتَنا لاهِيَةً بِذِكْرِك، وَجَوَارِحَنا قائِمَةً بِشُكرِك، ونُفُوسَنا سَامِعَةً مُطِيعَةً لأَمرِك، وَأَجِرْنَا مِنْ مَكْرِكَ، وَلاَ تُؤَمِّنّا مِنهُ حَتَّى لا نَبرَحَ لِعَظيمِ عِزَّتِكَ مُذْعِنِين، وَمِنْ سَطْوَةِ هَيبَتِكَ خَائِفِين ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾،
وَأَجِرْنَا اللَّهُمَّ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ورُؤيَةِ أعمالِنا، وَمِنْ شَرِّ كَيدِ الشَّيطان، وَاجعَلنا مِن خَوَاصِّ أحبابِكَ الّذينَ لَيسَ عَلَيْهِم سُلطان، فإنَّهُ لا قُوَّةَ لَهُ إلّا من سَلَبتَ عَنهُ نورَ التَّوفيقِ وخَذَلتَه، وَلاَ يَقرُب إلّا مِن قَلبٍ حَجَبتَهُ عَنكَ بالغَفلَةِ وَأهَنْتَهُ وَأمَتَّه؛ إلَهَنا فَما حيلةُ العبدِ وَأَنْتَ تُقعِدُه، وَمَا وُصولُهُ وَأَنْتَ تُبعِدُه، هَلِ الْحَرَكاتُ وَالسَّكَناتُ إلّا بإذنِك، ومُنقَلَبُ العَبدِ ومَثوَاهُ إلّا بِعِلمِك؛ إلَهَنا فاجعَل حَرَكاتِنا وسُكونَنا إِلَيْكَ، وشُكرَنا لَك، وَاقطَع جَميعَ جِهاتِنا بالتَّوَجُّهِ إِلَيْكَ، وَاجعَل اعتِمادَنا في كُلَّ الأُمورِ عَلَيك، فمَبدَأُ الأَمرِ مِنكَ راجِعٌ إِلَيْكَ.
إلَهَنا إنَّ الطَّاعَةَ وَالمعصِيَةَ سَفينَتانِ سائِرَتانِ بالعَبد، فالعَبدُ في بِحرِ المشيئَةِ إِلَى ساحِلِ السَّلامةِ وَالهلاك، فالوَاصِلُ على ساحِلِ السَّلامةِ هُوَ السَّعيدُ الْمُقَرَّب، وذو الهلاكِ هُوَ الشَّقِيُّ المبعَدُ وَالمعذَّب؛ إلَهَنا أمرتَ بالطَّاعَةِ ونَهَيتَ عَنِ المعصِيَةِ وقَد سَبَقَ تَقديرُهُما، وَالعّبدُ في قَبضَةِ تَصَرُّفِك، زِمامُهُ في يَدِكَ تَقودُهُ إِلَى أَيِّهِما شِئت، وقَلبُهُ بَيْنَ أُصبُعَينِ مِن أَصابِعِكَ تُقَلِّبُهُ كَيفَ شِئت؛ إلَهَنا فَثَبِّت قُلوبَنا على ما أَمَرْتَنا، وجَنِّبنا عَمَّا عَنهُ نَهَيْتَنا، فإنَّهُ لا حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إلّا بِك، سُبحانَكَ لا إِلَهَ إلّا أَنت، خَلَقتَ الْخَلقَ قِسمَين، وفَرَّقتَهُمُ فَريقَين، فَريقٌ في الْجَنَّةِ وفَريقُ في السَّعير، هَذا حُكمُكَ عَدل، وتقديرُكَ حَقّ، وسِرُّكَ غامِضٌ في هذا الْخَلق، وَمَا نَدري ما يُفعَل بِنا، فافعَل بِنا ما أَنْتَ أَهلُهُ وَلاَ تَفعَل بِنا ما نَحنَ أَهلُه، فإنَّكَ أَهلُ التَّقوى وأهلُ المغفِرَة؛ إلَهَنا فاجعَلنا مِن خَيرِ فَريق، ومِمَّن سَلَكَ الأَيمَنَ في الطّريقِ مِنَ الآخِرة، وَارحَمنا بِرَحمَتِك، وَاعصِمنا بِعِصمَتِكَ لِنَكونَ مِنَ الْفَائِزين، ودُلَّنا عَلَيكَ لِنَكونَ مِنَ الوَاصِلين الْمَوْصُولِين ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ * ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظَاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾،
وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ السّابِق لِلخَلْقِ نُورُهُ، وَالرَّحْمَةِ لِلْعَالَمِينَ ظُهُورُه، عَدَدَ مَنْ مَضَى مِنْ خَلْقِكَ وَمِنْ بَقيَ، وَمِنْ سَعِدَ مِنهُم وَمِنْ شَقي، صَلاةً تَستَغرِقُ العَدَّ وتُحيطُ بالْحَدِّ، صَلاةً لا غايَةَ لَها وَلاَ أَمَدْ، وَلاَ انْتِهاءَ وَلاَ انْقِضَاءَ، صَلوَاتِكَ الّتي صَلَّيتَ عَلَيْهِ، صَلاةً دائِمَةً بِدَوَامِكَ، باقِيَةً بِبَقائِك، لا مُنتَهَى لَها دُونَ عِلْمِك، وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وعِترَتِهِ وسَلِّم،﴿وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. ، آمينَ يَا مُعِينُ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمين.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar